خاص هيئة علماء فلسطين

         

الدكتور أحمد الإدريسي – المغرب.

الملخص:

يمثّل المسجد الأقصى محور السيادة الدينيّة والرمزيّة الحضاريّة للأمّة الإسلاميّة، إذ ارتبطت قدسيّته بمكانه في القدس وبما حظي به من تكريم إلهيّ، جعله في مصافّ الحرمين الشريفين. وتكتسب فلسطين خصوصيّة فريدة في الوجدان الإسلاميّ؛ فهي أرض مباركة بنصّ القرآن، وموضع الإسراء، ومهوى أفئدة المؤمنين، ممّا يرسّخ وجوب تحريرها شرعًا، ويجعل حمايتها مسؤوليّة جماعيّة تتجاوز كونها أرضًا محتلّة إلى كونها أمانة دينيّة وحضاريّة.

وعلى امتداد التاريخ، حافظت فلسطين على هويّتها العربيّة الإسلاميّة رغم ما تعاقب عليها من أطماع وغزوات؛ بدءًا من الفرس والرومان، مرورًا بالصليبيين وحملات لويس التاسع، وصولًا إلى الاحتلال البريطاني الذي مهّد بـــوعد بلفور لتمكين المشروع الصهيونيّ. ورغم هذا كلّه بقي بيت المقدس شاهدًا على أصالة الانتماء وعمق الارتباط العقدي.

ويناقش هذا البحث دور الاجتهاد الجماعيّ في حماية المسجد الأقصى عبر ثلاثة مباحث رئيسة: المبحث الأوّل: الأساس الشرعيّ لوجوب حماية المسجد الأقصى، المبحث الثاني: دور العلماء في صون المقدّسات، والمبحث الثالث: إسهامات الاجتهاد الجماعيّ في تعزيز حماية الأقصى ومكانته. ويُختَم البحث بخلاصة جامعة وتوصيات عمليّة.

الكلمات المفتاحيّة: – الاجتهاد الجماعيّ – المقدّسات – المسجد الأقصى – واجب العلماء.

– Summary

The role of collective effort in protecting

Al-Aqsa Mosque

EL IDRISSI AHMED

Al-Aqsa Mosque is the sovereign، political، and honorable symbol of the Islamic nation. It is sacred due to its location in the city of Jerusalem. This sanctification comes from God Almighty، who intended this city to be a symbol of servitude to God Almighty and the seat of the sovereignty of the Islamic nation.

If Islamic law has imposed on Muslims the liberation of any Islamic land occupied by the enemy، then the land of Palestine has its own religious characteristics that confirm this duty، double the resolve to liberate it، and inflame the longing for martyrdom on its soil. It is not like all Muslim lands، as it contains Al-Aqsa Mosque، and it and the Two Holy Mosques have a special advantage، and it is the land that God Almighty has blessed for the worlds.

No one doubts that Palestine is Arab and Islamic. However، the Persians coveted it، then the Romans، and the Crusaders occupied it in campaigns including that of Louis IX. In the modern era، it was occupied by the British، who gifted it to the Jews under the Balfour Declaration.

Jerusalem is a symbol of the Islamic nation، so scholars must make greater efforts to defend the nation’s sanctities and strive to protect Al-Aqsa Mosque.

– Intervention paragraphs:

1- Protecting Al-Aqsa Mosque is a religious duty.

2- The role of scholars in protecting holy sites and Al-Aqsa Mosque.

3- The role of collective effort in protecting the holy sites and Al-Aqsa Mosque.

= Keywords:

– Collective effort – sanctities – Al-Aqsa Mosque- duty – Scientists.

مقدّمة:

إنّ المسجد الأقصى هو الرمز السياديّ والسياسيّ ورمز العزة للأمّة، فهو يحمل صفة القدسيّة لمكانه في مدينة “القدس”، وجاء التقديس من الله القدّوس سبحانه، فهو أراد أن تكون هذه المدينة رمزًا للعبوديّة لله تعالى، ومحلّ سيادة أمّة الإسلام.

فإذا كان الشرع الحكيم قد فرض على المسلمين تحرير أيّ أرض إسلاميّة يحتلّها العدوّ، فإنّ أرض فلسطين لها خصوصيّاتها الدينيّة التي تؤكد هذا الواجب، وتُضاعف الهمم لتحريرها، وتُلهِب الأشواق للاستشهاد على ترابها، فهي ليست ككلّ أراضي المسلمين، إذ فيها المسجد الأقصى، ولها وللحرمين مزيّة خاصّة، كما أنّها الأرض التي بارك الله عزّ وجلّ فيها للعالمين، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الإسراء: 1].

وبالنظر إلى الجانب التاريخيّ، لا يشكّ أحد أنّ فلسطين عربيّة إسلاميّة، ومع ذلك قد طمع فيها الفرس، ثمّ الرومان، واحتلّها الصليبيّون في حملات منها حملة لويس التاسع، وفي العصر الحديث احتلّها الإنجليز، الذين أهدوها بموجب وعد بلفور لليهود.

الإشكاليّة:

هل نحن بحاجة إلى اجتهاد جماعيّ لحماية المسجد الأقصى؟ وهل سيكون له دور في حماية القدس؟ وإلى أيّ حدّ اكتسبت مدينة القدس قدسيّتها؟

منهجيّة البحث:

          لقد أخذت هذه المدينة قدسيّتها من وجود بيت المقدس؛ ثاني بيت وضع لعبادة الله تعالى في الأرض، وهو مهوى الأفئدة لعبادة الله تعالى، وهو رمز الأمّة الإسلاميّة في كلّ مكان وزمان.

وسأناقش في هذا البحث “دور الاجتهاد الجماعيّ في حماية المسجد الأقصى”، وذلك في مباحث ثلاثة، وهي:

المبحث الأوّل: حماية المسجد الأقصى واجب شرعيّ.

المبحث الثاني: دور العلماء في حماية المقدّسات والمسجد الأقصى.

المبحث الثالث: دور الاجتهاد الجماعيّ في حماية المقدّسات والمسجد الأقصى.

ثمّ أختم بخلاصة جامعة وتوصيات.

المبحث الأوّل: حماية المسجد الأقصى واجب شرعيّ

يستمدّ المسجد الأقصى قدسيّته من مكانته في العقيدة الإسلاميّة، بوصفه أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله ؛ ممّا يجعل صيانته جزءًا أصيلًا من التعبّد لله. ومع أنّ حماية المقدّسات واجب عامّ، فإنّ خصوصيّة الأقصى تضفي على هذا الواجب طابعًا أشدّ إلزامًا وارتباطًا بالهويّة الدينيّة للأمّة. ولا ينحصر هذا الواجب في البعد الروحيّ فحسب، بل يتجاوزه إلى الالتزام الشرعيّ والدفاع الحضاريّ. ومن ثمّ، فإنّ حماية الأقصى تمثّل فريضة جماعيّة تُعَدّ صونًا للمقدّسات وحفظًا لمعالم الرسالة.

المطلب الأوّل: لماذا حماية المسجد الأقصى؟

لقد تقرّر عند العلماء والفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وتعدّد مناهجهم، وتمايز طرق استنباطهم للأحكام، أنّ أيّ أرض إسلاميّة احتلّها مغتصب فقد وجب على أهلها استردادها حتّى تخرج المرأة دون إذن زوجها، ويخرج الولد دون إذن والديه، ويخرج العبد دون إذن سيّده، ذلك لأنّ الدفاع عن الأرض والوطن في هذه الحال فرض عين على جميع أهل الوطن المحتلّ، فإن استطاعوا ردّها فهو حسن، وإن لم يسطيعوا وحدهم، فقد وجب على الدول المجاورة معاونتها، وهكذا تتّسع الدائرة لكلّ المسلمين حتّى تخليصها من يد المغتصب، تمامًا كما كان يفعل المسلمون منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم. قال ابن الحاجب المالكيّ: “الجهاد واجب على الكفاية بإجماع، ويتعيّن على من نزل عليهم عدوّ وفيهم قوّة عليه، فإن عجزوا تعيّن من قرب منهم حتى يكتفوا، ويتعيّن على من عيّنه الإمام مطلقًا. والقوّة: أن يكون العدوّ ضعفهم فما دونه عددًا، وقيل: قوّة وجلدًا – فيحرم الفرار إلّا متحرّفًا أو متحيزًا”[1].

إنّ حماية المسجد الأقصى والدفاع عنه هو نصرة لنبيّنا الكريم الذي أسرى به ربّه عزّ وجل ّإلى هذا المسجد، ومنه كان معراجه إلى السماء، وهو المكان الذي صلّى فيه إمامًا بالأنبياء عليهم السلام، وهو أيضًا وصيّته عليه السلام بأن تُشدّ إليه الرحال.

وحماية الأقصى هو حماية للتراث؛ فالصهاينة لصوص الحضارة؛ يحاولون سرقة الأرض، وتزوير التاريخ، ويحاولون إيهام العالم أنّ لهم آثارا تحت المسجد الأقصى، ومنذ أكثر من خمسين سنة وهم يحفرون تحته ولم يجدوا شيئًا يُثبت هيكلهم المزعوم، لذلك علينا جميعًا وعلى العالم ومنظّماته الثقافيّة والإنسانيّة أن ننقذ الأقصى من الصهاينة؛ حماية للتاريخ والحضارة.

وقد بيّـن المؤرّخون والعلماء طمع الصهاينة في كلّ بلاد الشرق الأوسط، ومنهم الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، حيث شرح طمعهم في كلّ بلاد الشرق الأوسط، فقال: “لكنّهم لم يَنْسَـوا أبدًا هذا الفصل من تاريخ شعبهم[2]، ولذا لا يقنع الصهاينة بالطمع في الأراضي التوراتيّة الممتــدّة من فلسطين إلى سوريّا والعراق ومصر، بل يرنون ببصرهم إلى المدينة المنـوّرة حيث موطن الأجداد من قينقاع وقريضة والنضير. فلا حدود لجشع الدويلة الإسرائيليّة”[3].

المطلب الثاني: واجب الأمة تجاه المسجد الأقصى

          واجبات الأمّة تجاه المسجد الأقصى كثيرة، نذكر منها:

وجوب إدراك الأبعاد الكاملة للقضية الفلسطينيّة والنظر إليها من منظورٍ إسلاميّ أصيل؛ إذ تحمل فلسطين مكانة راسخة في وجدان المسلمين، بينما يتعامل اليهود معها بمنطلقات عقديّة تلموديّة واضحة. ومع الأسف، يقابل بعضُ المسلمين ذلك بخطاب انهزاميّ يتجاهل هذه الحقيقة، يتجسّد في عبارات متداولة بين بعض القادة العرب من قبيل: ما لنا وفلسطين؟ أو ماذا أخذنا من فلسطين؟ أو حتّى فلسطين أوّلها فَلَس وآخرها طين.

تعلّم فقه الأحاديث التي تبشّر بظهور طائفة من المؤمنين على أهل الكفر حتّى يأتي أمر الله. روى ذلك عن النبيّ المغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله، وثوبان بن بُجدد، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمران بن حصين، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، وقرّة بن إياس، وزيد بن أرقم، وكعب بن مرة البهزي، وأنس بن مالك، وصُدَي بن عجلان أبي أمامة وغيرهم. فعن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ، وَهُمْ ظَاهِرُونَ”[4].

 تعليم هذه الأحاديث للأجيال الصاعدة وترسيخها في قلوب الشباب وعقولهم، لما تحمله من معاني الثبات واليقين، وبثّ الأمل في النفوس تجاه مستقبل الصراع وواجب الأمّة فيه.

 –تحريك واجب النخوة؛ فإذا قصّر بعض المسلمين في الاستجابة للواجب الشرعيّ –وهو تقصير غير مقبول– فليتحرّك فيهم على الأقلّ حسّ العروبة والنخوة الإنسانيّة. وقد شهد التاريخ القديم والحديث نماذج مشرّفة لغير المسلمين الذين دفعتهم إنسانيّتهم للدفاع عن المظلومين والتصدّي للعدوان الصهيونيّ.

الولاء والبراء: يجب أن نعلن عداوتنا لمن عادى الله ورسوله، وأن نعلن ولاءنا لله ورسوله ولمقدّساته وللمكان الذي رفع الله منه رسوله إلى السموات العلا، واليهود هم أعداء الله من خلقه، وهم أعداء رسل الله، وهم أعداء نبيّنا محمّد ﷺ، وهم أشدّ الناس عداوة للمؤمنين.

– لا يخفى على أحد أنّ اليهود قد بنوا مخطّطهم الاستعماريّ على أساس التوسّع وعدم الاكتفاء بفلسطين، واليهود لا يخفون هذا، فهو مبـيّن في خريطة إسرائيل الكبرى المزعومة من النيل إلى الفرات ومرسومة على جدار الكنيست، مشفوعة بالنصوص الدينيّة التلموديّة، التي تؤكّد هذا الحقّ المزعوم.

المطلب الثّالث: نماذج تاريخيّة من عناية المسلمين بالمسجد الأقصى:

اهتـمّ الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم- بالمسجد الأقصى وبيت المقدس؛ فهذا أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه- يسرع في إرسال الجيوش لفتح بلاد الشام، ولعلّ رسالة الخليفة الراشد أبي بكر الصّدّيق إلى خالد ابن الوليد وهو في العراق يستحثُّه على اللحاق بجيش الفتح في الشام، فقال له: “أنْ أعجل إلى إخوانكم بالشام، فوالله لقرية من قرى أرض القدس يفتتحها الله تعالى أحب إليّ من رستاق عظيم من رساتيق العراق”[5]. ومن بعده سيّدنا عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- الذي استلم مفاتيح بيت المقدس بنفسه، بعدما فتحه أبو عبيدة ابن الجرّاح، وشرع في تهيئة المسجد الأقصى للصلاة، وأقام للمسلمين مُصلّاهم الأوّل في الجهة القبليّة من المسجد.

ثمّ استردّ صلاح الدين الأيوبيّ بيت المقدس من الصليبيّين سنة 583ه-1187م، وقد “أمر رحمه الله بتطهير المسجد الأقصى من دنس الصليبيين حيث أمر بتطهير المسجد والصخرة من الأقذار فطهّرا. ثمّ صلّى المسلمون الجمعة الأخرى في قبّة الصخرة، وخطب محيي الدين بن زنكي قاضي دمشق بأمر من صلاح الدين، وأقام صلاح الدين بالمسجد الصلوات الخمس إمامًا وخطيبًا، وأمر بعمل المنبر له، فتحدّثوا عنده بأنّ نور الدين محمود اتّخذ له منبرًا منذ عشرين سنة، وجمع الصناع بحلب فأحسنوا صنعته في عدد سنين فأمر بحمله ونصبه بالمسجد الأقصى، ثمّ استكثر في المسجد من المصاحف ورتّب فيه القرّاء، ووفّر لهم الرواتب. وتقدّم ببناء الربط والمدارس[6].

          ثمّ توالت عناية العلماء والسلاطين (العبّاسيّون والعثمانيّون وغيرهم) بقبّة الصخرة والحفاظ عليها، والمسجد الأقصى وما حوله، والحفاظ عليها؛ بالصيانة والترميم والتجديد، إلى أن جاءت الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى.

المبحث الثاني: دور العلماء في حماية المقدّسات والمسجد الأقصى.

يحتلّ العلماء موقعًا محوريًّا في توجيه الأمّة وصيانة ثوابتها، ولا سيّما في القضايا التي تمسّ عقيدتها وهويّتها، وفي مقدّمتها المسجد الأقصى والمقدّسات الإسلاميّة. وقد اضطلعت النخبة العلميّة عبر التاريخ بإحياء الوعي، وبيان الأحكام الشرعيّة، ورفع الالتباس عن الحقائق المرتبطة بفلسطين ومكانتها. ومع ازدياد التحدّيات المعاصرة، تتعاظم مسؤوليّة العلماء في ترسيخ الوعي المقاوم وفضح الروايات المزيّفة. ومن هنا تتبدّى أهمّيّة دورهم في حماية الأقصى بوصفه واجبًا علميّا ودينيّا وحضاريّا في آنٍ واحد.

المطلب الأوّل: العلماء ومقدّسات الأمّة

1- وظيفة العلماء:

إنّ العلماء هم ورثة الأنبياء وحَمَلة أمانة البيان والصدق والصدع بالحقّ، وقد أناط بهم الرسول ﷺ مسؤوليّة تبليغ دين الله وبناء الأمّة على أسس العزّة والقوّة. غير أنّ استبداد الحكّام وفسادهم دفع بعضهم إلى مسارٍ أفضى إلى أمّةٍ مشتّتة مهيضة الجناح.

كما لا يقتصر دور العلماء على تيسير شؤون العبادة وتعليم الناس أحكام دينهم، بل يتجاوز ذلك إلى الدفاع عن المقدّسات وحماية المصلحة العامّة للأمّة في كلّ بقاعها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحقّ، ونصح الحكّام، وتوجيههم نحو العدل، ومنعهم من موالاة الظالم أو التواطؤ معه. فالعالم الحقّ هو الذي يكون عونًا للحاكم على الحقّ لا على الباطل، وحصنًا للأمّة أمام العدوان لا جسرًا يمرّ عليه العدو.

ومن ثمّ فإنّ الواجب العينيّ اليوم يفرض على العلماء أن ينهضوا بدورهم في نصرةالمظلومين في غزّة، فليس هناك ظلم أفدح من تجويع شعبٍ أعزل محاصر.

2– العلماء والصدع بالحقّ:

العلماءُ ليسوا مجرّدَ شارحين لأحكام الطهارة والصلاة، بل هم صمامُ الهداية حين تنحرف الأمّة عن طريق الله، وحَمَلةُ الأمانة التي أُنيط بهم: أمانةُ التبليغ والبيان والقيام بحقّ الأمّة. ومهمّتهم الأولى ليست الانشغال بزخارف النوافل، بل ترسيخ وحدة المسلمين وبناء وعيهم وقيادتهم عند اشتداد الخطوب. غير أنّ واقعنا المؤلم يكشف أنّ كثيرًا من العلماء قد آثروا الانكفاء على صغائر المسائل، بينما يُذبَح أهلنا في فلسطين، ويُهجّرون، وتُدنّس مقدّساتهم.

وقد رسم الحقّ سبحانه دور العلماء بوضوحٍ وصرامة، فقال تعالى: ﴿الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالَاتِ اللّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلّا اللّهَ﴾ [الأحزاب: 39]، فمناط مهمّتهم الخشية من الله لا من سلطانٍ أو بطشٍ أو تهديد. وبيّن النبي ﷺ أنّ وظيفتهم هي البيان التامّ والتبليغ الأمين. وقد سطّر التاريخ صفحات ناصعات لعلماء وقفوا في وجه جبروت الحكّام، لا يبيعون دينهم، ولا يساومون على الحقّ، ولا يرضخون للظلم مهما اشتدّت وطأته.

ولم يكن دور العلماء يومًا نظريًّا أو خطابيّا؛ فقد وقفوا في وجه التتار يوم تداعت الأمّة، فوحّدوا الصفوف المتنازعة، وحشدوا المسلمين للجهاد، وبثّوا في النفوس روح الصبر والثبات، وقدّموا الدعم المادّيّ والمعنويّ، مدركين أنّ حماية النفس والعرض والمال والمقدّسات واجبٌ يُقدّم عند الملمّات على كلّ جزئيّة ثانويّة.

وهكذا، فإنّ العلماء الحقيقيين هم الذين يصدعون بالحقّ، ويحملون الأمّة إلى مواقع القوّة، ويقفون في الثغور الفكريّة والشرعيّة دفاعًا عن دينها ومقدّساتها، وفي مقدّمتها المسجد الأقصى وفلسطين، لا الذين ينشغلون عن نوازل الأمّة بحرارة الجدل في الهوامش.

3- نماذج من تعظيم العلماء للمقدّسات:

– عن عبد الله بن مسعود، أنّ أبا موسى أمّهم فخلع نعليه، فقال له عبد الله: “لم خلعت نعليك أبالوادي المقدّس أنت؟ “[7]. وهذا يدلّ على تعظيمهم للمقدّسات وبيت المقدس.

– روي أنّ عمر بن الخطّاب، لمـّا دخل بيت المقدس قال: “لبّيك اللهمّ لبّيك”[8]. وما فعل عمر ذلك إلّا لمكانة بيت المقدس والقدس الشريف في قلوبهم.

– جاء عن بعض السلف: “من صلّى الفريضة في مسجد بيت المقدس في جماعة كانت له بخمس وعشرين ألف صلاة، ومن صلّاها وحده، كانت له بألف صلاة”[9].

– عن كعب بن ماتع الحميريّ المعروف بكعب الأحبار، قال: “أَحَبّ الْبِلَادِ إِلَى اللّهِ الشَّامُ، وَأَحَبّ الشَّامِ إِلَيْهِ الْقُدْسُ، وَأَحَبّ الْقُدْسِ إِلَيْهِ جَبَلٌ بِنَابُلُسَ”[10].

وقد اتّفقت كلمة الفقهاء على وجوب القتال لتحرير الأراضي المحتلّة وجوبًا عينيّا، ومن أقوالهم:

– قال ابن مودود الحنفيّ: “الجهاد فرض عين عند النفير العامّ وكفاية عند عدمه، والنفير العامّ: أن يحتاج إلى جميع المسلمين فلا يحصل المقصود، وهو إعزاز الدين وقهر المشركين إلّا بالجميع، فيصير عليهم فرض عين كالصلاة”[11].

– قال ابن عبد البرّ المالكيّ: “الجهاد ينقسم أيضًا قسمين: أحدهما: فرض عامّ متعيّن على كلّ أحد ممّن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار، وذلك أن يحلّ العدوّ بدار الإسلام محاربًا لهم… وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوّهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلّوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة”[12].

– قال الماوردي: “وفرض الجهاد على الكفاية يتولّاه الإمام ما لم يتعيّن. وإن سار العدوّ إليهم تعيّن فرض جهاده على كلّ من أطاق دفعه من المسلمين حتى يردّوه”[13].

– قال الإمام الخِرَقِي: “والجهاد فرض على الكفاية، وواجب على الناس إذا جاء العدوّ أن ينفروا المقلّ منهم والمكثر”[14].

لذلك كلّه، فإنّ على أهل فلسطين أن يجاهدوا حتّى يحرّروها كاملة، فإن لم يستطيعوا وحدهم تعيّن الجهاد على الأقطار الإسلاميّة المجاورة أو ما تسمّى دول الجوار، فإن لم يستطيعوا أو تخاذلوا، انتقل الواجب إلى كلّ مسلمي الأرض حتّى يتمّ تحريرها.

المطلب الثاني: دور العلماء في حماية المقدّسات

          كان للعلماء و ما زال دور كبير في حماية المقدّسات، من خلال فتاواهم وتعبئتهم وخُطبهم، نذكر من ذلك:

– تحريم الاعتراف بعدوان اليهود وغصبهم بتنازل أو باتّفاق يوقّع عليه قادة نصّبوا أنفسهم لحماية الأرض والعرض والمقدّسات، ومن الطامّات الكبرى أن يحوّل جزء من ساحات المسجد الأقصى الذي اختاره الله للإسلام وعبادة الله وحده إلى كنيسة يكفر فيه بالله تعالى، ويسب فيه أنبياؤه -عليهم السلام- ويؤذى فيه رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وتنكر فيه رسالة الإسلام، وهذا من أعظم التخريب الذي حرّمه الله تعالى، قال عزّ وجلّ: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلّا خَائِفِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 114]

– إنّ القدس والمسجد الأقصى المبارك وقف إسلاميّ على المسلمين كافة إلى يوم القيامة، فهي لا تباع ولا توهب ولا تورث، ولا يملك حاكم أن يتنازل عنها وكلّ اتفاق ينقل الوقف الإسلاميّ إلى العدوّ الكافر من اليهود يعدّ باطلًا من أساسه ولا يسري أثره على الوقف ولا يلزم المسلمون به حالًا أو مالًا، بل يجب السعي في نقضه، ومن تنازل عن القدس والمسجد الأقصى كمن يتنازل عن مكة والمسجد الحرام أو المدينة والمسجد النبويّ، وقد ربط الله بين المسجدين في سورة الإسراء، وربط بين المساجد الثلاثة في شدّ الرحال إليها في قوله ﷺ: “لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى.

– التصدّي لأيّ اتفاق بين أيّ حاكم وبين العدوّ اليهوديّ هو نوع من التصرف على المسلمين، وتصرّف الحاكم على المسلمين معلّل بالمصلحة، فإذا خلا الاتّفاق عن المصلحة كان باطلًا. والاتفاق الذي يتضمّن تنازلًا عن القدس أو جزء منها أو عن جزء من المسجد الأقصى للدولة اليهوديّة الغاصبة مفسدة كبرى لا يدانيها إلّا مفسدة تسليم بيت الله الحرام أو مسجد النبيّ الكريم -عليه الصلاة والسلام- لعدوّ من الكفار. بل إنّ في مثل هذا الاتّفاق- إن حصل- إسقاطًا للمصلحة العليا للمسلمين، وإسقاطًا لعزّتهم وهيبتهم، وقد نهى الله تعالى عن الاستسلام وعن الهوان فقال عز وجل: ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 35]. والنهي هنا يقتضي التحريم.

– تجريم الإقرار للغاصب بشرعيّة غصبه، وإقرار للمعتدي بشرعيّة عدوانه، ومكافأة له على ذلك، وفيه تحريم لحقّ المسلمين عليهم؛ لأنّهم أخرجوا من ديارهم بغير حقّ لمصلحة الغاصبين من اليهود، وقد بعث الله النبيّ ﷺ لإزالة الظلم والعدوان من الأرض، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾، [المائدة: 2]، وأيّ تعاون على الإثم والعدوان أكبر من اتفاق مع عدوّ غاصب يتنازل القادة بموجبه عن أقدس بقاع فلسطين: القدس والأقصى، ويبارك عدوانهم، أيّ ظلم أكبر من إقرار الظلم، وقد قال تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194].

– اتّفاقهم على عدم جواز السماح بعقد أيّ اتفاق يقر فيه الظالم على ظلمه ويكافأ الغاصب بشرعيّة الاغتصاب بالتنازل عن القدس والأقصى المبارك، ولا يجوز اتفاق يمنع صاحب الحقّ من حقّه والانتصاف من ظالمه.

– إجماع العلماء على تحريم الإعانة على الظلم مطلقًا، وعلى تحريم كلّ أشكال المساعدة للظالم والمعتدي على المسلمين ومقدّساتهم، وعلى تحريم خذلان المسلم، فكيف بالإعانة على ظلم إخواننا في غزة وفلسطين، أو خيانتهم؟ وأئمّة المالكيّة أكثر العلماء تشديدًا في تحريم إعانة الظالم وخيانة المسلمين، وكلّ أشكال الخيانة لله ولرسوله ولدماء الشهداء، وخيانة المواقف الشعبيّة الغاضبة والرافضة للتطبيع. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: 1].

– اجتهاد علمائنا لردّ كثير من الشبهات ضدّ المقاومة الفلسطينيّة، ومها على سبيل المثال لا الحصر؛ “حماس تهلك نفسها، لا يجوز مقاتلة القلّة مع الكثرة؛ لأن الله تعالى خفف عن المقاتلين (حسب زعمهم)”، وغيرها من الشبهات التي ينبغي أن يُبيّنها العلماء.

المطلب الثالث: واجب العلماء تجاه المسجد الأقصى

من آكد واجبات العلماء في زماننا؛ دعوة المسلمين أن يهبّوا لإنقاذ المسجد الأقصى؛ مسرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والذود عنه، وهم يرون ما يفعله اليهود في المسجد الأقصى، والدفاع عنه بالوسائل كافّة، بعد أن دنّسه المحتلّون؛ وهذا واجب عقديّ ودينيّ؛ لأنّ الأقصى جزء من ديننا جزء من عقيدتنا.

فإذا لم يكن في الوجوب الشرعيّ دافعًا كافيًا لبعض علماء المسلمين لنصرة الأقصى والقدس وفلسطين – وهذا غير مقبول طبعًا- فلا أقلّ أن تتحرّك نخوة العروبة والغيرة على الدين، والنخوة الإنسانيّة في الصدور. وقد رأينا النخوة الإنسانيّة حرّكت وحملت بعض الغيورين غير مسلمين على التصدّي للصهاينة لنصرة المسلمين المظلومين، والتاريخ القديم والحديث شاهد على ذلك.

كما يجب عليهم أن يعلّموا الأمّة ولاءهم لله ورسوله ولمقدّساته وللمكان الذي رفع الله منه رسوله إلى السموات العلا، وأن يعلّموهم العداء لمن عادى الله ورسوله، ويعلّموهم أنّ اليهود هم أعداء الله من خلقه، وهم أعداء رسل الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهم أشدّ الناس عداوة للمؤمنين. وأن تكون للأمّة قراءة شاملة للصراع بين المسلمين واليهود، والصراع حول المسجد الأقصى، وقد قدّمه الأستاذ عبد السلام ياسين على أنّه في إطار سنّة الله تعالى التي تقتضي بذل الجهد، واتّخاذ الأسباب، قال رحمه الله: “ينصر الله رسله والذين آمنوا، إن آمنوا وعملوا الصالحات، لا إن أخلّوا بالشرط الجهاديّ حالمين بالمدد الإلهيّ الخارق للعادة، وهو مدد لا يتنزّل على القاعدين، بل يخصّ به الله من قام وشمّر وتعب في بذل الجهد، وأعطى الأسباب حقّها”[15].

المبحث الثالث: دور الاجتهاد الجماعيّ في حماية المقدّسات والمسجد الأقصى

يعدّ الاجتهاد الجماعي أداةً مركزية في مواجهة التحدّيات الكبرى التي تعصف بالأمّة، ولا سيّما ما يرتبط بالمقدّسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى. فالنوازل المعقّدة التي تستهدف هويّة الأمّة وأرضها لا يمكن أن ينهض بها اجتهاد فرديّ محدود، بل تحتاج إلى رؤية جماعيّة تجمع خبرات العلماء والمؤسّسات الشرعيّة. ومع تصاعد العدوان على القدس وفلسطين، تتأكّد ضرورة توحيد الجهد الفقهيّ لصياغة مواقف راسخة تهدي الأمّة وتوجّه صانعي القرار. ومن هنا تتبدّى أهمّيّة الاجتهاد الجماعيّ باعتباره درعًا شرعيّا وفكريًّا في معركة حماية المقدّسات.

المطلب الأوّل: الاجتهاد الجماعيّ وضوابطه.

أوّلًا– مفهوم الاجتهاد لغة واصطلاحًا[16]:

أ- الاجتهاد لغة:

مأخوذ من الجهد بضمّ الجيم وبفتحها، أي: الطاقة والمشقّة، وهو من باب نفع: يقال جَهَدَ في الأمر جهدًا إذا طلب حتّى بلغ غايته في الطلب، واجْتَهَدَ في الأمر: بذل وسعه وطاقته في طلبه ليبلغ مجهوده، ويصل إلى نهايته[17].

ب- الاجتهاد اصطلاحا:

تعريفات الاجتهاد كثيرة عند الفقهاء، والملاحظ تعدّد عباراتهم، مع تقاربها في المعنى، والاختلاف في أكثرها لفظيّ، وفي بعضها اختلاف بزيادة قيد أو ضابط من ضوابطه. وأذكر هنا أشهرها كما يأتي: عرّفه الإمام الغزاليّ: بَذْلُ المجتهدِ وُسْعَهُ في طلب العلم بأحكام الشرع”[18]. وقال الآمديّ: “استفراغ الوسع في طلب الظنّ بشيء من الأحكام الشرعيّة على وجه يُحِسُّ من النفس العجز عن المزيد فيه”[19]، وعرّفه ابن الحاجب هو: “استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظنّ بحكم شرعيّ”[20].

وخلاصة تعاريف الأصوليّين أنّه: بذل الجهد، واستفراغ الوسع في استنباط الأحكام الشرعيّة من الأدلّة التفصيليّة، وذلك بتحقيق المناط أو تخريج المناط. فهو عمل المجتهد في استنتاج الأحكام الشرعيّة من أدلّتها ومصادرها المقرّرة، كالقرآن والسنّة والإجماع والقياس وغيرها.

فالاجتهاد يعني؛ بذل مجهود علميّ، ممّن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، للبحث والنظر والاستدلال، واستنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها. وهو نوعان:

1- اجتهاد مطلق كاجتهاد الأئمّة الأربعة.

2- اجتهاد مقيّد كاجتهاد أتباع المذاهب الأربعة، الذين نقلوا محتوى المذهب وبحثوا وحقّقوا فيه، وهذا النوع من الاجتهاد للمتخصّص الذي له معرفة واسعة بمقاصد الشريعة، وفهم مداركها، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعيّة، أما الاجتهاد الذي ليس من قبيل التخصّص العلميّ؛ فلا يشترط فيه كلّ هذه الشروط[21].

ج– مفهوم الاجتهاد الجماعيّ:

عرف الاجتهاد الجماعي كمركب بتعريفات كثيرة متّفقة في المعنى غالبًا مختلفة في الألفاظ، أذكر منها ما يأتي: هـو “استفراغ أغلب الفقهاء الجهد لتحصيل ظنّ بحكم شرعيّ بطريق الاستنباط، واتفاقهم جميعا أو أغلبهم على الحكم بعد التشاور”[22]. وقيل: “هو بذل فئة من الفقهاء جهودهم، في البحث والتشاور، لاستنباط حكم شرعيّ، لمسألة ظنّيّة”[23] وهذا التعريف يقتصر على ذكر القيود الأساس في مفهوم الاجتهاد الجماعيّ.

ومن التعريفات الموسّعة: “هو بذل فئة من الفقهاء المسلمين العدول جهودهم، في البحث والنظر، على وفق منهج علميّ أصوليّ، ثمّ التشاور بينهم في مجلس خاصّ، لاستنباط أو استخلاص حكم شرعيّ، لمسألة شرعيّة ظنّيّة”[24].

ثانيًاشروط الاجتهاد وضوابطه:

اشترط الأصوليّون للمجتهد شروطا في استنباط الأحكام من أدلّتها التفصيليّة ليس تحصيلها متعذّرًا ولا متعسّرًا كما يوهم البعض الذين يريدون أن يضيّقوا ما وسّع الله، ويغلقوا بابًا فتحه الله لعباده وهو الاجتهاد[25].

ومجمل هذه الشروط أن يكون المجتهد عالمًا بالكتاب، والسنّة، ثمّ شروطا تابعة، قال الأمديّ: “وأمّا الاجتهاد في حكم بعض المسائل فيكفي فيه أن يكون عارفًا بما يتعلّق بتلك المسألة وما لا بدّ منه فيها، ولا يضرّه في ذلك جهله بما لا تعلّق له بها، ممّا يتعلّق بباقي المسائل الفقهيّة، كما أنّ المجتهد المطلق قد يكون مجتهدًا في المسائل المتكثّرة، بالغًا رتبة الاجتهاد فيها، وإن كان جاهلًا ببعض المسائل الخارجيّة عنها، فإنّه ليس من شرط المفتي أن يكون عالمـًا بجميع أحكام المسائل ومداركها، فإنّ ذلك ممّا لا يدخل تحت وسع البشر[26].

أمّا ضوابط الاجتهاد الجماعيّ فقد حددها العلماء فيما يأتي:

– اجتماع نخبة من العلماء المتخصصين في الشريعة الإسلاميّة.

– التزام العلماء المجتهدين بالضوابط الشرعيّة والأصول الفقهيّة.

– اتّصافهم بالتقوى والورع والغيرة على المقدّسات الإسلاميّة.

– مراعاة مقاصد الشريعة الإسلاميّة ومصالح المسلمين، من أجل الوصول إلى أرجح الآراء وأصوبها في القضايا الشرعيّة المعاصرة.

– استخدام منهجيّة علميّة لضمان دقّة الأحكام وصحة تطبيقها على الوقائع المستجدّة.

ثالثًا: أهمّيّة الاجتهاد الجماعيّ

للاجتهاد الجماعيّ أهمّيّة بالغة في التشريع الإسلاميّ، وتتجلّى أهمّيّته من خلال مجموعة الأمور التي يحقّقها، وأبرز تلك الأمور: أنّه يحقّق مبدأ الشورى في الاجتهاد، كما أنّه يكون أكثر دقّة وإصابة من الاجتهاد الفرديّ، وهو في الوقت نفسه يعوّض عمّا قد يتعذّر علينا اليوم من قيام الإجماع ويسدّ إلى حدّ كبير الفراغ الذي يحدثه غياب المجتهد المطلق، والاجتهاد الجماعيّ ييسّر للأمّة استمرار الاجتهاد، ويمنع أسباب توقّفه أو إغلاق بابه، كما أنّه يقي الأمّة من الأخطاء والأخطار التي قد تنتج عن الاجتهاد الفرديّ، وهو أفضل نوعي الاجتهاد لمعالجة المستجدّات في حياة الأمّة، وهو من أنجع السبل إلى توحيد النظم التشريعيّة للأمّة، وأيضًا فإنّ الجماعيّة في الاجتهاد، يتحقّق بها التكامل بين الساعين للاجتهاد، ويتحقّق بها التكامل في النظر للقضايا محلّ الاجتهاد؛ ولأنّ إكراهات صفحات البحث لا تسمح بتفصيل هذه الأهمّيّة اكتفيت بذكرها مجملة، وقد فصّلها عبد المجيد السوسوه في كتابه الاجتهاد الجماعيّ[27].

المطلب الثاني: دور الاجتهاد الجماعيّ في حماية المسجد الأقصى

لمـّا كانت القضيّة الفلسطينيّة قضيّة الأمّة المركزيّة، وبؤرة الصراع بين الحقّ والباطل، وهي ذات أبعاد دينيّة وسياسيّة، كان الاجتهاد في نوازلها ومستجدّاتها وتطوّر الصراع فيها من أعقد القضايا وأدقّها؛ لخصوصيّتها، وتعقّد قضاياها، وتشابك أزماتها، وتداخل أبعادها وتأثيراتها، وكثرة تحدّياتها، وسرعة تقلّباتها، وخفاء مصالحها ودقّتها، واجتماع المفاسد التي أوجدها واقع الاحتلال وتكاثرها، حتى إنّ الفلسطينيّ بسبب إكراهات الواقع يختار أخفّ الضررين، وأهون المفسدتين، ويلجأ إلى فقه الضرورة، والموازنة بين المفاسد المتعارضة في كثير من الأحيان؛ لانعدام الحلول وصعوبتها.

وإزاء طبيعة القضيّة وخصوصيّتها وتعقيدات مشهد الصراع، وتشابك المصالح والمفاسد وتداخلها، فإنّ الاعتصام بمقاصد الشريعة هو الملاذ الآمن بعد فهم الواقع وإكراهاته، وتصوّر المسائل بدقّة، وتحقيق المناط، واعتبار المآل؛ ليتمكّن المجتهد من الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتّبة على الإقدام أو الاحجام، ومن ثمّ تقرير الأحكام الشرعيّة، وتنزيلها على الواقع[28].

والقضيّة الفلسطينيّة ومستجدّاتها وتعقيدات مشهدها أحوج القضايا إلى الاجتهاد الجماعيّ الذي يضع حلولًا لنوازلها، ويجيب عن إشكالاتها، ويفكّك شرعيّا تشابك مصالحها بمفاسدها، ويجمع القلوب والأفئدة، ويرصّ الصفوف خلف مواقف شرعيّة موحّدة ناتجة عن تشاور في الأمر، يجمع الطاقات ويحفظ الجهود من التبديد، ويضع الجميع أمام مسؤوليّاته تجاه القضيّة المركزيّة، وحماية الأقصى والمقدّسات، ودفاع العدو وإفشال مخطّطاته.

والاجتهاد الجماعيّ له دور كبير في توحيد كلمة المسلمين وجمعها شعوبًا وحكومات، للدّفاع عن المسجد الأقصى وحمايته، والاستفادة من طاقات أبناء المسلمين وحماسهم، وتوظيف ما يمتلكونه من مقدّرات لصالح القدس والمسجد الأقصى.

أولا: نماذج من الاجتهاد الجماعيّ لأجل حماية المقدّسات والمسجد الأقصى:

إنّ التجديد في الفتاوى والاجتهاد أمر لا بدّ منه؛ لأنّ المسلمين في كلّ عصر يواجهون قضايا ومشكلات وحوادث ووقائع جديدة تتطلّب فكرًا جديدًا وعلمًا جديدًا، على أنّ الدعوة إلى التجديد ينبغي أن تُنبّه إلى أنّ التجديد هنا لا يعني التنازل عن المسجد الأقصى، ولا عن شبر من ممتلكات المسلمين ومقدّساتهم.

لقد اجتهد العلماء، خاصّة الفلسطينيين منهم، لأجل إصدار فتاوى تُـحرّم التنازل عن القدس الشريف، كما حرموا الإقرار للدولة اليهوديّة الغاصبة بالسيادة عليها، ومن باب أولى تحريم أن يُعطَى اليهود جزءًا من ساحة المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم عليه، وإنّ أيّ اتفاق بين اليهود وبين أيّ قيادة عربيّة يتمّ على هذا الأساس يعدّ باطلًا من أساسه؛ لعدم مشروعيّته؛ لأنّ محلّ هذا الاتفاق هو تمليك جزء مقدّس من أرض الإسلام للعدوّ الغاصب أو إقرار لسيادته عليه، لئلّا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا، لقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141].

كما أصدرت هيئة علماء فلسطين عددا من الفتاوى حول القضيّة الفلسطينيّة، والتي جمعتها ونشرتها لجنة علماء الشريعة الإسلاميّة في حزب جبهة العمل الإسلاميّ، ومنها تحريم الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وتحريم قبول التعويض والتنازل عن حقّ العودة.

          ومن نماذج الاجتهاد الجماعيّ الذي يسعى لحماية المقدّسات والمسجد الأقصى خاصة، نذكر ما يأتي:

1- أصدر مؤتمر علماء فلسطين الأوّل، المنعقد في 25/01/1935م، فتوى بالإجماع، وممّا جاء فيها؛ “تـحريم بيع أيّ شبر من أراضي فلسطين لليهود، وتعُـدّ البائع والسمسار والوسيط المستحلّ للبيع مارقين من الدين، خارجين من زمرة المسلمين، وحرمانهم من الدفن في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم في كلّ شيء والتشهير بهم”[29].

2- قام العلماء بحملة كبرى في جميع مدن فلسطين وقراها ضدّ بيع الأراضي لليهود، وعقدوا الكثير من الاجتماعات، وأخذوا العهود والمواثيق على الجماهير بأن يتمسّكوا بأرضهم، وألّا يُفرّطوا بشيء منها. وقد تمكّن العلماء من إنقاذ أراضٍ كثيرة كانت مهدد بالبيع”[30].

3- انعقد في القدس اجتماع كبير لعلماء فلسطين ودعاتها؛ من مفتين وقضاة ومدرسين وخطباء، بتاريخ: 20 شوال 1353هـ، وأصدروا بالإجماع فتوى بخصوص بيع الأراضي في فلسطين لليهود، مفاد هذه الفتوى أنّ “ذلك البيع يحقّق المقاصد الصهيونيّة في تهويد هذه البلاد الإسلاميّة المقدّسة وإخراجها من أيدي أهلها، وإجلائهم عنها، وتعفية أثر الإسلام بخراب المساجد والمقدّسات الإسلاميّة، واتَّفقوا على أنّ البائع والسمسار والوسيط في بيع الأراضي بفلسطين لليهود عاملٌ ومظاهِرٌ على إخراج المسلمين من ديارهم، وأنّه مانعٌ لمساجد الله أن يذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها، وأنّ أولئك الباعة والسماسرة والوسطاء في بيع أراضي فلسطين لليهود، ينبغي ألّا يصلّى عليهم ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ويجب نبذهم ومقاطعتهم… “[31].

4- صدرت فتوى بعنوان: “فتوى علماء المسلمين المحرِّمة للتنازل عن أيّ جزء من فلسطين”، في الفترة الممتدّة من جمادى الأولى 1409هـ وحتَّى ربيع الآخرة 1410هـ، وقد وقّع عليها ثلاثة وستون عالمـًا وداعية ومفكّرًا، منهم: الشيخ محمّد الغزالي، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور همّام سعيد، والدكتور المجاهد عبد الله عزَّام، والأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وصادق عبد الماجد، والدكتور عصام البشير، والشيخ حافظ سلامة، ومصطفى مشهور، وجمعٌ من رجالات العمل والدعوة الإسلاميّة. وأجمعوا أنّه؛ ليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أيّ جزء منها أو تعترف بأيّ حقّ لهم فيها، وإنّ هذا الاعتراف خيانة لله ورسوله وللأمانة التي وُكّل إلى المسلمين المحافظة عليها”[32].

5- صدرت فتاوى عدّة عن الأزهر الشريف تتعلّق بقضيّة فلسطين، وبخاصّة ما يتعلّق بالتعاون مع العدوّ الصهيونيّ، ومنها؛ “فتوى لجنة الفتوى بالأزهر، والتي صدرت في 14 شعبان، لعام 1366هـ، الموافق شهر يونيو/ حزيران 1947م، وقد كان رئيسها آنذاك، الشيخ عبد المجيد سليم، والذي صار بعد ذلك شيخًا للأزهر، وممّا جاء في فتواها: “الرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المذكورة، وساعد عليها مباشرة، أو بواسطة، لا يعدّ من أهل الإيمان، ولا ينتظم في سلكهم، بل هو بصنيعه حربٌ عليهم، منخلع من دينهم، وهو بفعله الآثم أشدّ عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين”[33].

6- صدر بيان من رابطة علماء فلسطين حول قضيّة اللاجئين الفلسطينيين: وبيّنوا فيه أنّ عودة اللاجئين والنازحين والمهجَّرين حقّ شرعيّ وتاريخيّ، لا يجوز النيابة أو التفويض أو التنازل عنه في إطار أيّ اتّفاق أو معاهدة، ثمّ اختتمت الرابطة بيانها بتأكيدها على “أنّ تحرير فلسطين والقدس وإعادة ملايين اللاجئين لا يتمّ عن طريق المفاوضات السلميّة الذليلة، وإنما عن طريق الجهاد والمقاومة.. فالجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة لا يبطلُه جور جائر”[34].

7- قرارات مجمع الفقه الإسلاميّ وبياناته حول القدس وفلسطين، ومنها:

أ- قرار مجلس مجمع الفقه الإسلاميّ الدوليّ المنبثق عن منظّمة المؤتمر الإسلاميّ المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت من 7-12 شوال 1422هـ، الموافق 22-27 كانون الأول (ديسمبر) 2001م، قرار رقم: 125(7/13). بشأن أحداث فلسطين وغيرها جاء فيه: “فإنّ من قضايا الأمّة الملحّة التي تحتاج إلى بيان وتوضيح قضيّة فلسطين وما يجري مجرى ذلك في بعض البلدان الإسلاميّة[35].

أوّلًا: إنّ أرض فلسطين أرض المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث المساجد التي لا تشدّ الرحال إلّا إليها، وهو معراج النبيّ ﷺ، وأرض الأنبياء هي حقّ للمسلمين. وهذا الحقّ يقابله واجب النصرة، بكلّ صورها وفق الاستطاعة، مهما تخاذل المرجفون واستسلم دون الحقّ المستسلمون؛ فالحجّة تبقى مع الحقّ وأهله، وعلى الظلم وأهله.

ولقد انعقد إجماع فقهاء الأمّة على حرمة إقرار العدوّ الغاصب على أيّ جزء اغتصبه من أرض المسلمين؛ لما فيه من إقرار الغاصب المعتدي على غصبه وظلمه وتمكين العدوّ من البقاء على عدوانه، وأوجب الإسلام على المعتدى عليهم مقاومة الغاصب المحتل ومحاربته حتّى يخرج مخذولًا.

ثانيًا: واجب الحكومات والشعوب الإسلاميّة العمل على أن يعيدوا الأرض الإسلاميّة إلى أهلها، ويصونوا المسجد الأقصى من تدنيس اليهود المحتلّين الذين نصبوا العداء للإسلام وأهله منذ فجر دعوة الإسلام، وما يزالون يكيدون لهم كيدًا، ولهم اليوم قوة وشوكة.

ثالثًا: واجب جميع المسلمين، كلّ حسب استطاعته، أن يساندوا الشعب الفلسطيني بأنفسهم وأموالهم للدفاع عن أرضه وحرماته ومقاومة الجبروت الصهيوني الذي استباح سفك الدماء، وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء، وهدم المنازل مستخدمًا أسلحة الحرب الفتّاكة من الصواريخ والدبابات، والمروحيّات والطائرات المقاتلة، إلى جانب الحرب الاقتصاديّة من تخريب الأراضي الزراعيّة، وقلع ما فيها من أشجار، ومنع دخول المؤن إلى الأراضي الفلسطينيّة المحاصرة.

وهذه المساندة واجب الأمّة الإسلاميّة كلّها شعوبها وحكوماتها، فالمسلمون يد واحدة، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا.

رابعًا: واجب الحكومات في البلدان الإسلامية بذل كلّ جهد من خلال المنظّمات الدوليّة، والعلاقات السياسيّة والاقتصاديّة وغيرها، لوقف الدعم الخارجيّ الذي يتلقّاه العدوّ سياسيّا وعسكريّا.

خامسًا: وإنّ من حقّ الشعب الفلسطينيّ إقامة دولته المستقلّة على كامل أرضه وعاصمتها القدس، وأن يدافع عن نفسه ويقاوم العدوّ بكلّ الوسائل المشروعة وشرف للمسلم وغنيمة له أن يموت شهيدًا في سبيل الله.

ب- بيان مجلس مجمع الفقه الإسلاميّ الدوليّ المنبثق عن منظمة التعاون الإسلاميّ المنعقد في دورته الحادية والعشرين بمدينة الرياض (المملكة العربية السعودية) من: 15 إلى 19 محرم 1435هـ، الموافق 18-22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013م، باعتباره مرجعيّة فقهيّة للأمّة الإسلاميّة، واستشعارًا منه لمسؤوليّاته، وانطلاقًا من واجبه نحو الأمّة، تجاه ما يواجهها من تحدّيات وأخطار، وبخاصّة فيما تتعرّض له مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك من عدوان إسرائيلي، يؤكّد على ما يأتي[36]:

1- المسجد الأقصى المبارك مهوى أفئدة المسلمين ودرّة الجبين من القدس وفلسطين -أولى القبلتين، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال مع الحرمين الشريفين- ومسرى نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ومعراجه إلى السماء جاء ذكره في محكم التنزيل في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الإسراء: 1]، وواضح في هذه الآية الربط الخالد بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى الذي سجّله القرآن الكريم بين المسجدين ممّا يوجب اهتمام المسلمين والصلّة بمسجدهم المبارك.

2- هذا المسجد المبارك ومدينته المقدّسة يتعرّضان لعدوان آثم ومستمرّ من قبل الاحتلال الإسرائيليّ الذي يسعى جاهدًا لتهويد المدينة المقدّسة وبسط سيطرته الكاملة على مسجدها الأقصى من خلال ممارساته العدوانيّة المتمثّلة في الاستيطان ومصادرة الأراضي، وهدم بيوت المقدسيّين والحفريّات التي طالت أساسات المسجد وباتت تهدّد بانهياره، والعبث في الآثار الإسلاميّة، واستحداث المعابد اليهوديّة في المدينة المقدّسة التي ينطلق منها ومن غيرها المستوطنون لاقتحام المسجد الأقصى، والاعتداء على المواطنين المقدسيين، وقد واصل الاحتلال عدوانه على المسجد الأقصى بإعداد مخطّطات لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا بين المسلمين واليهود من خلال التصريحات الرسميّة ومناقشة مشروع قانون يقضي بذلك من قبل إحدى اللجان التابعة للبرلمان الإسرائيليّ، وذلك تمهيدًا لإقامة هيكلهم المزعوم.

3- إنّ مجلس المجمع، وهو يستشعر هذه الأخطار المحدقة بالقدس ومسجدها الأقصى وكلّ مقدّس فيها، يدعو الأمّة الإسلاميّة بكلّ دولها وحكوماتها وشعوبها لمواجهة هذه الأخطار، والعمل على درئها من خلال العمل السياسيّ والقانونيّ في جميع المحافل الإقليمية والدولية، وكذلك بتقديم الدعم المعنويّ والمادّيّ لأبناء القدس لتعزيز صمودهم ورباطهم في مجالات الحياة كافّة من صحّيّة وتعليميّة واجتماعيّة واقتصاديّة، وبخاصّة في قطاع الإسكان، ومطالبة الدول العربيّة بالوفاء بالتزاماتها الماليّة التي أقرّتها القمم العربيّة على وجه السرعة؛ للتخفيف من الضائقة التي يعانيها أهل القدس.

4- إنّ مجلس المجمع ليشيد بالجهود التي يقوم بها المرابطون في رحاب المسجد الأقصى لصدّ جميع الاعتداءات التي تمسّ قدسيّة المسجد الأقصى المبارك. وإحباطها.

ج- قرار رقم: 25 (3/13) بشأن توصيات الدورة الثالثة لمجلس مجمع الفقه الإسلاميّ الدولي[37]:

إنّ مجلس مجمع الفقه الإسلاميّ الدوليّ المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشميّة من 8-13 صفر 1407هـ، الموافق 11-16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م، وهو ينعقد على مقربة من المسجد الأقصى المبارك، ليوصي بضرورة مضاعفة الجهد من أجل استنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، جاء في القرار: “مناشدة الأمّة الإسلامية شعوبًا وحكومات أن تعمل جهدها لاستنقاذ أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وتحرير الأرض المحتلة بحشد طاقاتها، وبناء ذاتها، وتوحيد صفوفها، والتسامي على كلّ أسباب الاختلاف بينها، وتحكيم شريعة الله سبحانه في حياتها الخاصّة والعامّة. “

ثانيا: أثر الاجتهاد الجماعي في حماية المسجد الأقصى

1- أسهمت الفتاوى في دعم الرواية الشرعية والسياسية، وأصبحت مرجعًا في الخطاب الديني والإعلامي، ودعمت صمود الفلسطينيين معنويّا.

2- أوقفت الفتاوى المتعلّقة ببيع الأراضي كثيرًا من عمليّات البيع، ورفعت مستوى الوعي، وأصبحت سندًا قانونيّا لمحاكمة المتورّطين بتسريب الأراضي.

3- أصبحت الفتاوى مرجعًا معتمدًا لدى المؤسّسات الإسلاميّة والدوليّة في تعريف المسجد الأقصى، وأُدرجت في تقارير قانونيّة وحقوقيّة عديدة، ممّا قطع الطريق على محاولات الاحتلال تجزئة الأقصى أو نسب أماكن منه لغير المسلمين.

4- شكّلت هذه الفتاوى أساسًا لبقاء المرابطين والمرابطات في ساحات الأقصى، وساهمت في إفشال اقتحامات كثيرة.

5- وفّرت هذه الفتوى غطاءً شرعيّا وسياسيّا للدّفاع عن الأقصى، واستُخدمت في حملات دعم عالميّة.

خـاتمة:

إن القدس والمسجد الأقصى وسائر فلسطين، أمانة في أعناق المسلمين، وأداء الأمانة بحفظها من أعدائها وإرجاعها إلى حوزة الإسلام، كما نهانا الله أن نوالي أعداءه بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحَقِّ﴾ [الممتحنة: 1]، وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]، ومن أكبر الموالاة أن يقر لليهود الغاصبين بغصبهم للقدس وتحويلهم الأقصى إلى الهيكل.

وستبقى مكانة المسجد الأقصى، وبيت المقدس عالية عظيمة في نفوس المسلمين، حاضرة في قلوبهم، وقد بشّر النبي صلّى الله عليه وسلّم بفتح بيت المقدس، ففي الصحيح عن عوف بن مالك، قال: أتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: “اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا”[38].

وتبقى مسؤولية العلماء والدعاة والمفكّرين مسؤوليّة كبيرة وعظيمة تجاه إخواننا في غزّة وفلسطين، الصدع بكلمة الحقّ والتصدي للمخطّط الظالم والهجوم الغاشم الذي يسعى إلى تدمير شعب بكامله، ومن خلاله تفتيت إرادة الأمّة. فشعوب المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها قاموا لنصرة أقصاهم والدفاع عنه، وخرجوا في مسيرات ووقفات تعبّر عن غضبهم واستنكارهم لما يقوم به الصهاينة من جهة، ولاستنكار التطبيع، وكلّ أشكال التعاون مع هذا العدوّ الغاشم من جهة أخرى، وهذا أقلّ الواجب لنصرة الأقصى، وبيت المقدس ومساندة أهل فلسطين حتّى استرداد حقّهم المسلوب، وتحرير المسجد الأقصى.

ويحرم التنازل عن أيّ شبر من القدس والمقدّسات، كما يحرم إعطاء -ولو جزء يسير من ساحة المسجد الأقصى- لليهود الغاصبين، فإنّ من يخالف شرع الله ومصلحة المسلمين، فيتنازل عن القدس أو جزء منها أو يسمح لليهود ببناء هيكل على جزء من ساحة المسجد الأقصى، فإنّه يكون وليّا لأعداء الله اليهود، وقد نهانا القرآن عن كلّ ذلك فقال سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم”(الأنفال: 27).

والحمد لله ربّ العالمين.

توصيات:

– الاجتهاد لإصدار فتاوى تُـحرّم التنازل عن القدس الشريـف.

– مضاعة الجهود لتسترجع مدينة القدس الشربف قدسيّتها ومكانتها بين دول العالم.

– على العلماء بذل الجهد من أجل الاجتهاد الجماعيّ لتوحيد كلمة المسلمين وحماية مقدّسات الأمّة، وعلى رأسها؛ الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى.

– الإجماع على تحريم كلّ أشكال المساعدة للظالم والمعتدي على المسلمين ومقدساتهم.

لائحة المصادر والمراجع:

– القرآن الكريم.

– الآمدي، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد – الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان.

– الأصفهاني، محمود بن عبد الرحمن – بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، محمد مظهر بقا، دار المدني، السعودية الطبعة: الأولى، 1986م.

– أكرم زعيتر؛ وثائق الحركة الفلسطينية 1939-1981. ط2، دون تاريخ.

– البخاري؛ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، دمشق، دار ابن كثير، واليمامة للطباعة، ط 5، 1414هـ.

– البيهقي؛ السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة، مكتبة دار الباز، طبعة: 1414هـ-1994م.

– ابن الحاجب؛ عثمان بن عمر بن أبي بكر ابن الحاجب الكردي المالكي. جامع الأمهات. تحقيق: أبو عبد الرحمن الأخضر الأخضري. الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع،

– ابن حجر؛ أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. السعودية، دار العاصمة ودار الغيث، ط 1، 1419هـ.

– ابن حزم؛ الإحكام في أصول الأحكام. دار الكتاب العربي. ط 2، 1406-1986.

– الخالد، خالد حسين، الاجتهاد الجماعي في الفقه الإسلامي، مراجعة وتقديم قسم الدراسات والنشر والعلاقات الثقافية دبي: مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، 2008م.

– الخرقي؛ أبو القاسم عمر بن الحسين، “متن الخرقى على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل”. الناشر: دار الصحابة للتراث. طبعة: 1413ه-ـ1993م.

– الزبيدي؛ بلقاسم بن ذاكر بن محمد. الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي دراسة تأصيلية تطبيقية. الناشر: مركز تكوين للدراسات والأبحاث. ط 1، 1435هـ-2014م.

– السوسوه، عبد المجيد – الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي، ط ١، وهو العدد (٦٢) من كتاب (الأمّة)، 1418هـ، وهي سلسلة دورية تصدر كل شهرين عن وزارة الأوقاف في قطر. ط 2، 1421هـ-2000م.

– ابن أبي شيبة؛ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي. المصنف في الأحاديث والآثار. لبنان، دار التاج، ومكتبة الرشد – الرياض. ط 1، 1409هـ-1989م.

– ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي، “الكافي في فقه أهل المدينة المالكي”. بيروت، دار الكتب العلمية، دون تاريخ.

– عبد الرزاق؛ أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني. تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. بيروت، المجلس العلمي بالهند، توزيع المكتب الإسلامي، ط 2، 1403هـ-1983م.

– عيسى السفري؛ فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية. ط2، دون تاريخ.

– الغزالي؛ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. المستصفى. تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي. بيروت، دار الكتب العلمية. ط 1، 1413هـ-1993م.

– القرضاوي؛ يوسف. الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، الكويت، دار القلم، ط1، 1996م.

– الماوردي، أبو الحسن على بن محمد. الإقناع في الفقه الشافعي. إيران، دار إحسان للنشر والتوزيع، دون تاريخ.

– محسن محمد صالح؛ مذكرات في القضية الفلسطينية. الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات –بيروت.

– محمود شاكر. التاريخ الإسلامي. بيروت، المكتب الإسلامي، ط 5، 1411هـ-1991م.

– مسلم؛ الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1402-1982.

– ابن مودود؛ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي، الاختيار لتعليل المختار، القاهرة، مطبعة الحلبي، تاريخ النشر: 1356هـ-1937م.

– ياسبن، عبد السلام، الإسلام والحداثة، ط 1، مارس 2000م.

– ياسين؛ عبد السلام. سنة الله، تطوان، مطبعة الخليج العربي، ط 1، 1426هـ-2005م.

– موقع مجمع الفقه الإسلامي: https: //iifa-aifi. org/ar/2431. html


[1] – ابن الحاجب؛ عثمان بن عمر بن أبي بكر الكرديّ المالكيّ. جامع الأمّهات. تحقيق: أبو عبد الرحمن الأخضر الأخضري. الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، ط 2، 1421هـ-2000م، ص: 243 وما بعدها.

[2] – يقصد طرد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لليهود من المدينة بعد خيانته.

[3] – ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، ط1، مارس 2000م، ص:139.

[4] – رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: فرض الخمس. حديث: ‏2965‏، والإمام مسلم في صحيحه، كتاب: الإمارة. حديث رقم: ‏3640‏.

[5] – محمود شاكر. التاريخ الإسلامي. (بيروت، المكتب الإسلامي، ط 5، 1411هـ-1991م). 3/163. (بتصرف).

[6] – محمود شاكر. التاريخ الإسلامي. (مرجع سابق). 6 / 319-322. (بتصرف).

[7] – رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه، كتاب: الصلاة. حديث رقم: ‏1450‏.

[8] – ابن حجر؛ أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. السعودية، دار العاصمة، ودار الغيث، ط 1، 1419هـ. كتاب الحج، حديث رقم: ‏1316‏.

[9] – ابن حجر العسقلاني، “المطالب العالية”، كتاب الحج، حديث رقم: ‏1319‏. (مرجع سابق).

[10] – رواه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الفضائل. حديث رقم: ‏823‏.

[11] – ابن مودود؛ عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي. الاختيار لتعليل المختار. القاهرة، مطبعة الحلبي، تاريخ النشر: 1356هـ-1937م.

[12] – ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي، “الكافي في فقه أهل المدينة المالكي”. (بيروت، دار الكتب العلمية، دون تاريخ). ص:311، وما بعدها.

[13] – الماوردي، أبو الحسن على بن محمد. الإقناع في الفقه الشافعي. إيران، دار إحسان للنشر والتوزيع، دون تاريخ، ص:175.

[14] – الخرقي، أبو القاسم عمر بن الحسين، “متن الخرقي على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل”. (الناشر: دار الصحابة للتراث. طبعة دون رقم، 1413ه-ـ1993م). ص: 138-141.

[15] – ياسين؛ عبد السلام. سنة الله، تطوان، مطبعة الخليج العربي، ط1، 1426هـ-2005م. ص:107.

[16] – يُنظر: الزبيدي؛ بلقاسم بن ذاكر بن محمد. الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي دراسة تأصيلية تطبيقية. الناشر: مركز تكوين للدراسات والأبحاث. ط 1، 1435هـ-2014م. الصفحة: 31 وما بعدها.

[17] – ابن منظور، محمد بن مكرم- لسان العرب، دار صادر – بيروت الطبعة: الثالثة – 1414 هـ ، 3/133.

[18] – الغزالي؛ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي. المستصفى. تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي. (بيروت، دار الكتب العلمية. ط 1، 1413هـ-1993م)، 4/ص4.

[19] – الآمدي، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد – الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- لبنان، 4/164.

[20] – الأصفهاني، محمود بن عبد الرحمن – بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب، محمد مظهر بقا، دار المدني، السعودية الطبعة: الأولى، 1986م ، 3/286.

[21] – القرضاوي؛ يوسف. الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، الكويت، دار القلم، ط1، 1996م، ص75-76.

[22] – السوسوه، عبد المجيد – الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي، ط ١، وهو العدد (٦٢) من كتاب (الامة)، 1418هـ، وهي سلسلة دورية تصدر كل شهرين عن وزارة الأوقاف في قطر، ص46.

[23] – الخالد، خالد حسين، الاجتهاد الجماعي في الفقه الإسلامي، مراجعة وتقديم قسم الدراسات والنشر والعلاقات الثقافية دبي: مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، 2008م، ص100.

[24] – الخالد، خالد حسين، الاجتهاد الجماعي في الفقه الإسلامي، ص100.

[25] – القرضاوي؛ يوسف. الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، الكويت، دار القلم، دون تاريخ. ص:107.

[26] – ابن حزم؛ الإحكام في أصول الأحكام. دار الكتاب العربي. ط 2، 1406-1986. 4/171.

[27] – أنظر تفاصيل أهمّيّة الاجتهاد الجماعيّ، السوسوه، عبد المجيد – الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي، ص77-92.

[28] – قويدر، مجدي- الاجتهاد الفقهيّ المعاصر المجافي لمقاصد الشريعة “فتاوى في القضية الفلسطينية نموذجًا”، بحث مخطوط ص1.

[29] – أ.د. محسن محمد صالح؛ مذكرات في القضية الفلسطينية. (الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات –بيروت). الصفحة: 178-179.

أنظر أيضًا: عيسى السفري؛ فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية. ط2. الصفحة: 230.

[30] – أ.د.محسن محمد صالح؛ مذكرات في القضية الفلسطينية. (مرجع سابق). الصفحة: 178. أنظر أيضًا: وثائق الحركة الفلسطينية 1939-1981: من أوراق أكرم زعيتر. ط2. الصفحة: 381-391.

[31]– ‏ فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أيّ جزء من فلسطين. توزيع: دار الفرقان. الصفحة: 66ـ-75.

[32] – فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين: الصفحة: 51-60، توزيع: دار الفرقان.

[33] – أنظر: د. عصام تليمة؛ “قراءة في فتاوى الأزهر بردّة المتعاون مع المحتل الصهيوني”. مقال نُشر في موقع الجزيرة نت. 18/11/2023‏.

[34] – يُراجع الرابط؛ ‏http://alarabnews.com/alshaab/GIF/05-12-2003/n4.htm .

[35] موقع مجمع الفقه الإسلامي: https://iifa-aifi.org/ar/2431.html

[36] موقع مجمع الفقه الإسلامي: https://iifa-aifi.org/ar/2431.html

[37] موقع مجمع الفقه الإسلامي: https://iifa-aifi.org/ar/1693.html

[38] – رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: الجزية، باب ما يحذر من الغدر، حديث رقم: ‏3021‏.